سورية: دستور

سورية: دستور "الأزمة" أم أزمة الدستور

شكل اصدار الدستور السوري لسنة 2012 إحدى المحطات الهامة في مسار الأزمة السورية التي بلغت حد الصراع المسلّح متعدد الأبعاد الإقليمية والدولية. حيث كان يُنظر إليه على أنه قد يكون أحد الخطوات الهامة والمؤثرة في الحد من التدهور الكبير الذي كانت تشهده البلاد حينها.

أدى الدستور السوري، برأي أنصاره، الغرض من إصداره فلبى برأيهم المطالب الشعبية، وأدخل تعديلات جذرية في بنية النظام السياسي من خلال سماحه بالتعددية السياسية وإقراره، لأول مرة، منذ استقلال البلاد، آلية لانتخاب رئيس الجمهورية من قبل الشعب مباشرةً.

بالمقابل تعرض هذا الدستور لانتقاد كبير من معارضيه الذي يرون أنه لم يحترم، شكلياً واجرائياً، معايير الشفافية والمشاركة الشعبية والمجتمعية الواجب مراعاتها في أي دستور ديمقراطي، فضلاً عن أنه، من حيث المضمون، لم يأت بشيء جديد ومختلف عما كان سائداً في الدساتير السابقة. بل أنه أخفق كذلك في تطبيق حقيقي للنصوص الجديدة القليلة التي أتى بها حيث أنه أفرغ، بنصوص دستورية أو قانونية أو ممارسات عملية لاحقة، تلك المواد الجديدة من محتواها ومن قدرتها على تحقيق أي تغيير في واقع الحياة السياسية في سورية.

تعالج هذه الورقة، من ناحية دستورية، وجهات النظر السياسية السابقة، وهي تحلل الظروف التي تم اعتماد الدستور السوري خلالها، والآليات التي اتُّبعت في مسار إصداره الاجرائي، وتقارن ما تضمنه من أحكام مع مضمون الدستور الذي سبقه لبيان مدة تبنّيه بالفعل أحكام دستورية جديدة، ثم تتطرق أخيراً لمدى وكيفية تطبيق تلك النصوص الدستورية الجديدة على أرض الواقع بصورة عملية وذلك بعد مضي عشر سنوات كاملة على بدء نفاذ هذا الدستور.

تعمّدت هذه الورقة عرض وجهتي النظر المتناقضتين لأنصار الحكومة السورية ومعارضيها، بصورة أمينة، وبغض النظر عن مدى توافق كاتب الورقة أو اختلافه مع تلك الآراء، وذلك بهدف اتاحة الفرصة والمجال لعرض وجهتي نظر متناقضتين وتحليلهما بصورة هادئة في محاولة لإدخال ثقافة "قبول رأي الأخر" بمعزل عن الموافقة عليه أو الموقف المسبق منه وهو ما يتم افتقاده في سورية حالياً بكافة المجالات، ومن ضمنها مجال النقاش الدستوري، وفق ما رصده كاتب الورقة بحكم عضويته في اللجنة الدستورية السورية الحالية ممثلاً لمكون المجتمع المدني فيها.