دستور الجمهورية التونسية لسنة 2014: الإنتقال المنشود والواقع المفروض - كانون الأول/ ديسمبر 2023

دستور الجمهورية التونسية لسنة 2014: الإنتقال المنشود والواقع المفروض

عرفت الجمهورية التونسية في مختلف محطاتها التاريخية والسياسية وضع دساتير مختلفة، لكن دستور سنة 2014 تميّز بجملة من الخصائص جعلت منه من أهم الدساتير التونسية التي راوحت بين تحقيق المنشود على مستوى إرساء نظام حكم ديمقراطي ومنظومة دستورية حامية للحقوق والحريات. لكن فرض السلط التي تداولت على الحكم لسياسة الأمر المفروض قد أدى بهذه التجربة الدستورية التونسية إلى الفشل وأسس لتواصل هذه السياسة أثناء وبعد إلغاء العمل بأحكام هذا الدستور كما سيبينه التحليل الوارد في هذا المقال.

فمقارنة التجارب الدستورية التونسية السابقة واللاحقة لدستور سنة 2014 تبرهن على أن المسار التأسيسي الذي عرفه وضع دستور سنة 2014 كان مساراً ديمقراطياً مستجيباً لأهم المعايير الدولية المعتمدة في المسارات التأسيسية الحديثة. فقد اتسم بمنهج ديمقراطي تعددي قائم على محاولة التقيّد بالشرعية لاختيار السلطة التأسيسية الأصلية واتسم كذلك بمنحى تشاركي وتوافقي أثناء الإعداد للمضامين الدستورية لتجاوز الأزمات السياسية المفروضة والتي عرفتها فترة التأسيس.

أما على مستوى المضامين، فيمكن الإقرار بأن دستور سنة 2014 قد نجح في تكريس منظومة حقوقية مستمدة من التطلعات الشعبية التي طالبت بها الثورة وكرّست بناء مؤسساتياً محترماً لمقتضيات دولة القانون. إلّا أنّ أحكام النصّ الدستوري لم تخلُ في بعض مواطنها من الغموض والاسقاطات التي فرضتها الصراعات السياسية وأدّت إلى فتح باب التأويل المتباين في ما يتعلق بمرجعية مضامين الحقوق والحريات الدستورية المكرسة.

واتسمت الممارسة الدستورية في ظل دستور سنة 2014 بالانتقائية في التطبيق وفي التنزيل التشريعي للأحكام الدستورية وفقاً للمصالح السياسية وبتغييب للمؤسسات الدستورية الضامنة لعلوية الدستور وأهمها المحكمة الدستورية، مما أدى إلى فرض سياسة الأمر الواقع التي تواصلت أثناء وبعد إلغاء العمل بأحكامه واعتماد دستور 25 تموز/يوليو 2022.