عملية صياغة الدستور أثناء الاضطرابات السياسية والتغيير: مصر 2011-2014 -  كانون الأول/ ديسمبر 2023

عملية صياغة الدستور أثناء الاضطرابات السياسية والتغيير: مصر 2011-2014

الدساتير هي بطبيعتها سياسية بقدر ما هي مواثيق تنظيمية من المفترض أن تعكس ديناميكيات السلطة وعلاقة الدولة والمجتمع. يجب على الدساتير أن تؤدي وظيفتين بشكل جيد، لكنه نادراً ما تقوم بذلك. أولاً، يجب أن يعكس إلى حد ما توزيع السلطات السياسية القائمة وتمثيلها الاجتماعي وإلا فلن يكون أمامها سوى فرصة ضئيلة للحصول على التصديق البرلماني والقبول الشعبي. وتتمثل الوظيفة الثانية في قدره الدساتير على استيعاب التغييرات المستقبلية في توزيع السلطة السياسية والتغيير/التطور المجتمعي، وإلا سيصبح بلا جدوى ويكون الانهيار مصيره في وقت قصير.

إن العمل على كتابة دستور يؤدي وظائفه الأساسية مهمة ليست سهلة في الظروف العادية وتصبح أكثر صعوبة في خلال فترات الانتقال والاستقطاب السياسي والمجتمعي. إن التقلبات السياسية في أعقاب انهيار النظم الاستبدادية أو في خضم الحماس الثوري يعني أنه ليس من الممكن بعد تحديد وزن وقوة الفصائل والأحزاب السياسية المختلفة. كما أن الاندفاع نحو تقييد البيئة السياسية المتغيرة ما بعد الانتفاضات والثورات الشعبية من خلال مجموعة من القواعد يؤدي حتماً إلى منح امتيازات لبعض القوى على حساب آخرى، مما يفاقم من عدم الاستقرار في المرحلة الانتقالية ويزيد من هشاشة الدساتير.

برزت التحديات في عملية كتابة الدساتير في أوقات التقلبات السياسية في دستوري 2012 و2014 في مصر. ألغي الأول بعد 7 أشهر فقط من اعتماده عقب إقالة الرئيس محمد مرسي من منصبه وخضع الثاني لتعديلات مهمة في عام 2019 — بعد خمس سنوات فقط من التصديق عليه. تركز هذه الورقة على عملية كتابة الدستور في مصر في عامي 2012 و2014، وهي ليست تحليلاً أو حكماً على المواد الدستورية أو دراسة مقارنة لما أخفق هذان الدستوران في تحقيقه. بل تحاجج الورقة أن كل من الدستورين برزا كحل وسط بين تحالفات سياسية معينة. بمرور الوقت، وبالنظر إلى طبيعة فترات الانتقال السياسي، اكتسبت بعض المجموعات في هذه الائتلافات سلطة سياسية وشعبية أكبر في حين تضاءل حجم وقوة البعض الآخر. أصبحت التنازلات والحلول الوسط غير مقبولة حيث فرضت المجموعة (المجموعات) الأكثر نفوذاً إجراء مراجعة وإعادة كتابة للقواعد، بينما لم تكن المجموعات الأضعف قادرة على ردع ومجابهة الانتهازية السياسية.